الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ المسرفين} كأنه عني بالخطاب جمهور قومه وبالمسرفين كبراءهم وأعلامهم في الكفر والاضلال وكانوا تسعة رهط.ونسبة الاطاعة إلى الأمر مجاز وهي للآمر حقيقة وفي ذلك من المبالغة ما لا يخفى وكونه لا يناسب المقام فيه بحث.ويجوز أن تكون الإطاعة مستعارة للامتثال لما بينهما من الشبه في الافضاء إلى فعل ما أمر به أو مجازًا مرسلًا عنه للزومه له.ويحتمل أن يكون هناك استعارة مكنية وتخييلية، وجوز عليه أن يكون الأمر واحد الأمور وفيه من البعد ما فيه والإسراف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، والمراد به هنا زيادة الفساد وقد أوضح ذلك على ما قيل بقوله تعالى: {الذين يُفْسِدُونَ في الأرض} ولعل المراد ذمهم بالضلال في أنفسهم بالكفر والمعاصي وإضلالهم غيرهم بالدعوة لذلك، وللإيماء إلى عدم اختصاص شؤم فعلهم بهم حثًا على امتثال النهي قيل {فِى الأرض} والمراد بها أرض قمود، وقيل: الأررض كلها ولما كان {يُفْسِدُونَ} لا ينافي إصلاحهم أحيانًا أردف بقوله تعالى: {وَلاَ يُصْلِحُونَ} لبيان كمال إفسادهم وأنه لم يخالطه إطلاح أصلا.{قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين} أي الذين سحروا كثيرًا حتى غلب على عقولهم، وقيل: أي من ذوي السحر أي الرئة فهو كناية عن كونه من الأناسي فقوله تعالى: {مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} على هذا تأكيد له وعلى الأول هو مستأنف للتعليل أي أنت مسحور لأنك بشر مثلنا لا تميز لك علينا فدعواك إنما هي لخلل في عقلك {مَا أَنتَ} أي بعلامة على صحه دعواك {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} فيها.{قَالَ هذه نَاقَةٌ} أي بعد ما أخرجها الله تعالى بدعائه.روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عشراء تخرج من صخرة عينوها ثم تلد سقبا فقعد عليه السلام يتذكر فقال له: جبريل عليه السلام صل ركعتين وسل ربك ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ونتجت سقبًا مثلها في العظم فعند ذلك قال لهم: هذه ناقة {لَّهَا شِرْبٌ} أي نصيب مشروب من الماء كالسقى والقيت للنصيب من السقى والوقت وكان هذا الشرب من عين عندهم.وفي مجمع البيان عن علي كرم الله تعالى وجهه أن تلك العين أول عين نبعت في الأرض وقد فجرها الله عز وجل لصالح عليه السلام {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} فاقتنعوا بشربكم ولا تزاحموها على شربها.وقرأ ابن أبي عبلة {شُرْبَ} بضم الشين فيهما، واستدل بالآية على جواز قسمة ماء نحو الآبار على هذا الوجه.{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء} كضرب وعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وصف اليوم بالعظم لعظم ما يحل فيه وهو أبلغ من عظم العذاب وهذا من المجاز في النسبة، وجعل {عظِيمٌ} صفة {عَذَابِ} والجر للمجاورة نحو هذا جحر ضب خرب ليس بشيء.{فَعَقَرُوهَا} نسب العقر إليهم كلهم مع أن عاقرها واحد منهم وهو قدار بن سالف وكان نساجًا على ما ذكره غير واحد، وجاء في رواية أن مسطعًا ألجأها إلى مضيق في شعب فرماها بسهم فأصاب رجلها فسقطت ثم ضربها قدار لما روي أن عاقرها قال: لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقول: أترضين؟ فتقول: نعم وكذلك الصبيان فرضوا جميعًا، وقيل: لأن العقر كان بأمرهم ومعاونتهم جميعًا كما يفصح عنه قوله تعالى: {فَنَادَوْاْ صاحبهم فتعاطى فَعَقَرَ} [القمر: 29] وفيه بحث {فَأَصْبَحُواْ نادمين} خوفًا من حلول العذاب كما قال جمع، وتعقب بأنه مردود بقوله تعالى: {وَقَالُواْ} أي بعد ما عقروها: {وَقَالُواْ ياصاح ائتنا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} [الأعراف: 77]، وأجيب بأن قوله بعد ما عقروها في حيز المنع إذ الواو لا تدل على الترتيب فيجوز أن يريدوا بما تعدنا من المعجزة أو الواو حالية أي والحال أنهم طلبوها من صالح ووعدوه الإيمان بها عند ظهورها مع أنه يجوز ندم بعض وقول بعض آخر ذلك بإسناد ما صدر من البعض إلى الكل لعدم نهيهم عنه أو نحو ذلك أو ندموا كلهم أو لا خوفًا ثم قست قلوبهم وزال خوفهم أو على العكس، وجوز أن يقال: إنهم ندموا على عقرها ندم توبة لكنه كان عند معاينة العذاب وعند ذلك لا ينفع الندم، وقيل: لم ينفعهم ذلك لأنهم لم يتلافوا ما فعلوا بالإيمان المطلوب منهم.وقيل: ندموا على ترك سقبها ولا يخفى بعده، ومثله ما قيل: إنهم ندموا على عقرها لما فاتهم به من لبنها، فقد روي أنه إذا كان يومها أصدرتهم لنا ما شاءوا.{فَأَخَذَهُمُ العذاب} الموعود وكان صيحة خمدت لها أبدانهم وانشقت قلوبهم وماتوا عن آخرهم وصب عليهم حجارة خلال ذلك. اهـ.
|